بحث هذه المدونة الإلكترونية

جديد الفيديوز من موقع حكاية كاميليا

جديـــــــــــــد الفيديوز من موقع حكـــــــــــــــــــــــــــاية كـــــــاميليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

السبت، 15 يناير 2011

القيادة حزن أعمق وتصرف أهدأ


0-صفر-1432هـ   15-يناير-2011      عدد الزوار: 934
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد مر الوسط السلفي في الآونة الأخيرة بحالة من اللوم والعتاب المتصاعد مِن الشباب السلفي لشيوخهم مطالبين إياهم بدرجة أعلى من درجات التعاطي مع الأحداث، لا سيما قضية مقتل "سيد بلال" -رحمه الله وأنزله منازل الشهداء-.
وفي الواقع إن هذه الظاهرة هي جزء من الواقع السلفي، وهي في كثير من الأحيان علامة صحة لا علامة مرض؛ ذلك لأن السلفية تتميز بفضل الله -تعالى- مِن بين الاتجاهات الإسلامية وغيرها بدرجة عالية مِن الحرص على تعليم اتباع الدليل، وطريقة فهمه، وطريقة تطبيقه بطريقة تجعل الشباب السلفي أكثر حرية في إبداء رأيه داخل البيت السلفي أكثر مما يُتاح حتى لشباب الليبراليين داخل البيت الليبرالي رغم أصولية هذه وتحرر تلك!
وفي الواقع: إن شيوخ السلفية يكونون في غاية الشعور بالسعادة والرضا إذا وجدوا الأتباع وقد تشربوا المنهج أصولاً وفروعًا نظريةً وتطبيقًا.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعبد الله بن مسعود عن القرآن: (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي(متفق عليه)، وكذلك قال ممتحنًا لأُبي -رضي الله عنه-: (أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟)، فلما هداه الله إلى الإجابة الصحيحة وهي آية الكرسي؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ(رواه مسلم).
وكما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لابنه عبد الله بن عمر: "لئن كنت قلتها كان أحب إلى من حمر النعم" في الإشارة إلى سؤال سأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وعرفه ابن عمر -رضي الله عنهما-، وتحرج أن يتكلم به خجلاً، ثم أسر لأبيه أنه كان قد وقع في نفسه الإجابة.
ونفس الأمر تكرر من عمر -رضي الله عنه- مع تلميذه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عندما أراد أن يبرز نبوغه أمام سائر أصحابه؛ ليبرر لهم استحقاقه أن يكون واحدًا من مجلس شورى عمر -رضي الله عنه-.
كما أن تفاعل الإخوة مع الأحداث دليل على حياة القلوب، وتفاعلها مع قضايا الأمة العامة، ومع قضايا إخوانهم الخاصة، حتى إن لم يعرفوا أشخاصهم وأعيانهم.
لكن هذه الايجابيات العظيمة احتف بها كثير من السلبيات التي نربأ بإخواننا عنها؛ ومنها:
1- عدم إدراك الفرق بين القضايا الشرعية التي نلتزم فيها بيان الحكم بالدليل، وبيان القضايا الواقعة التي تقتضي الضرورة في كثير من الأحيان اقتصار مناقشتها على عدد محدود من الناس: وكما تقدم في الشواهد السابقة اقتصار عمر -رضي الله عنه- في مشورته على مجموعة اقتضى إلحاق عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بهم إلى أن يظهر عمر -رضي الله عنه- نبوغه لهؤلاء، وهذا ما تقضيه طبائع الأمور.
2- عدم إدراك بعض الإخوة الفرق بين النصيحة وإساءة الظن: وهذا -بحمد الله- لم يحدث إلا من قلة معظمهم ممن لا يوافقون الدعوة في اختياراتها الدعوية أصلاً.
3- ولكن الذي حدث من كثير مِن إخواننا هو إطلاق العنان لعواطفهم، وهي عواطف مَن لم يجدها فليتهم قلبه بالقسوة وإيمانه بالنقص أو الانعدام، ولكن القضية ليست في العاطفة؛ ولكن في ضبطها.
وكم ضرب لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل في ذلك وهو الذي صُدم بعمه حمزة -رضي الله عنه- وقد قُتِل، ومُثِل بجثته، ومع ذلك كتم أحزانه؛ ليتولى مهام التوجيه والإصلاح ومعالجة أثر الهزيمة.
وضرب المثل في هذا حينما قََِبِل أن يكتب صلح الحديبية باسم "محمد بن عبد الله" بدلاً من "محمد رسول الله"؛ لإمضاء الصلح وما فيه من مصالح.
وهو الذي قال لأصحابه غير ما مرة ناهيًا لهم عن قتل منافق ظهر نفاقه: (لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ(متفق عليه).
وهو الذي صبر في حادثة الإفك حتى أنزل الله براءة عائشة -رضي الله عنها-، وصبر بعدها، وقَبِل توبة من تاب.
وهذا الصِّديق الأعظم صاحب ثاني اثنين إذ هما في الغار الذي لا يشك عاقل في أنه كان أعظم الخلق مصابا بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكنه ثبت في وقت أخذت الدهشة الجميع بما في ذلك تاليه في الفضل الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولاشك أن مما أعانه على ذلك بالإضافة إلى قوة إيمانه عظم شعوره بالمسئولية عن التي هيأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها حينما عهد إليه بأمر الصلاة في مرضه -صلى الله عليه وسلم-.
كما اجتمع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاختيار الخليفة قبل دفنه -صلى الله عليه وسلم- رغم الألم الذي اعتصرهم شعورا منهم بمسئوليتهم أمام الأمة.
4- ومن المواقف التي سبق بيانها يتضح أن القيادة تعنى تغليب العقل على العاطفة؛ ومن هنا جعل الله القوامة في الأسرة للرجل لكون الرجال كجنس أكثر قدرة على ضبط العواطف من النساء، ولو جعل الطلاق بيد النساء مثلا لتم استنفاذ مراته من معظم النساء في زمن قياسي.
ومن نافلة القول أن نشير أن ارتفاع نسبة الطلاق في زماننا تعطى مؤشرا على أن شباب هذه الأيام لا يتسم بالعقلانية المطلوبة منه كرجل، حيث يرى كثير منهم أن الرجولة هي اتخاذ الموقف الأكثر شدة فيبادر تجاه كل خطأ من الزوجة بالطلاق، ثم بعد أن يسبق السيف العزل يتذكر أن لها محاسنا وأن خطأها ليس خطا ثابتا أو أن بينهما أولاد تستدعي مصلحتهم إمساك أمهم  لو مع بعض العوج.
وهذه الرجولة المتسرعة لا تليق بالرجل العاقل إلا أن ضررها مع خطره يظل ضررا قاصرا في نطاق الأسرة بينما لا يصلح هذا في قيادة الكيانات والطوائف لا سيما في وقت الأزمات.
وقد وجه الله موسى وهارون -عليهما السلام-: (أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً(يونس:87) كنوع من التضامن واجتناب الأزمات في زمن ارتفاع موجات الطغيان.
وفي آخر الزمان يأمر الله عيسى -عليه السلام-: (فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ(رواه مسلم).
إذن فالإنسان عموما يحتاج إلى تبصر مواضع أقدامه قبل أن يطلق لعاطفته العنان، وتزداد أهمية هذا الأمر متى كان الإنسان مسئول عن غيره ابتداء من رب الأسرة و تتصاعد الأهمية كلما اتسعت مساحة المسئولية.
كما أن صعوبة اتخاذ القرارات تزداد كلما ازدادت مساحة الاشتباك، وقلت البدائل المطروحة.
5- ويتأكد هذا الأمر في الجماعات الاختيارية التكوين التي غالبا ما تكون القيادة فيها هي الأعلم والأكثر خبرة ودراية كما في حال الاتجاهات الفكرية والدعوية بل إن مساحة الاطلاع على العوامل التي تؤثر في اتخاذ القرار تكون أكبر بكثير عند القيادة.
6- وهذا الأمر لا يعنى مطلقا سلب حق النصح والإرشاد من الأتباع، ولكن لا بد فيه من تقدير الظروف والملابسات ومراعاة حسن الظن وعدم افتراض افتراضات وهمية، وقد يناسب في كثير من الأحيان ترك الأمور إلى أن ينجلي الغبار فربما تكشفت الأيام عن إجابات لكثير من الأسئلة أو عن إثبات صدق أو خطأ نظرة، وحينئذ يكون تقدير المواقف وإعادة الحسابات نافعًا ومفيدًا. خصوصا مع اتفاق الكبار على نفس النظرة والموقف.
7- والخطر الشديد في ممارسة ضغط داخلي يضاف إلى قائمة الضغوط الخارجية فيقع من ابتلى بهذا الأمر بين اختيارين أحلاهما مر؛ فإما أن يسمع ما لا يسره من إخوانه بل من تلامذته، وإما أن يقدم على ما يتيقن أن ضرره أكبر من نفعه.
وقد استجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لضغط شباب الصحابة الذين أشاروا عليه بالخروج خارج المدينة في غزوة أحد، ولكن الصحابة الكرام سرعان ما أدركوا أنهم بالغوا في بيان وجهة نظرهم إلى الدرجة التي تعتبر ضغطا غير مناسب، وحاولوا تدارك الأمر بسرعة، ولكن منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستجابة أنه كان قد لبس لأمة الحرب قال لهم: (ما كان لنبي لبس لأمة الحرب لقومه أن يرجع حتى يقضى الله بينه وبينهم) وقد كانت غزوة أحد من أولها إلى آخرها أمورا قدر الله وقوعها كدروس للأمة ومنها هذا الدرس البليغ.
8- ومما ينبغي أن يلتفت إليه الناصح أن يدرك أولا موازين المصالح والمفاسد لدى المنصوح فمن الناس من يرى أن إحداث تقدم ولو طفيف في باب الحريات ولو حساب القبول بالمساومات العقدية نصرا عظيما مؤزرا بينما ترى الدعوة أنها في مجال المناهج لابد من رفع شعار (والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته).
فكثير من الناصحين يقارن بين مختلفين ويطالب بالجمع بين سلوك المعارض السياسي الذي لا يريد من الناس إلا أصواتهم وسلوك الداعي الذي يريد لصوته أن يصل إلى مسامع الناس وقلوبهم: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ(المؤمنون:32).
9- ومن أخطر الإنحرافات في هذا الباب أن يغفل البعض فروقا جوهرية، وكم كان الشيخ "ناصر العمر" موفقا عندما استضافه أحد المنتديات الإسلامية ليجيب على أسئلة أعضائه فقال: "لفت نظري أن كثير من الأسئلة شددت على وجوب الوضوح والشفافية والجرأة و.. و .. قال في حين أن السائل متخفي وراء معرف الكتروني ولا يختلف من يختفي وراء معرف الكتروني عمن يختفي في مكان جغرافي بعيد عن مسرح الأحداث ثم ينصح بما لم يكن يفعله يوم إن كان فيها" ورغم ترحيبنا الشديد بالتوجهات السلفية للأستاذ وجدي غنيم مع حبنا له -حفظه الله- في كلامه الأخير إلا أن بعض آرائه الأخيرة فيها قدر من الحدة لا تناسب من يمشى على قدمه بين الناس -بغض النظر عن شرعية الكلام ابتداء والمشكلة أنه يستنكر على دعاة مصر إخوانا وسلفيين عدم الكلام بنفس لغته.
وهو أمر يقع فيه أيضا بعض طلبة العلم المصريين.
الخلاصة إخواننا الأحباء:
رفقا بشيوخنا لا سيما مع تلاحق الأحداث آراؤكم محل اعتبار سواء التي تستقبلها مواقعكم أو بأي وسيلة أخرى ولكن الحروب الضروسة التي تنفق عليها الملايين وتنعق بها الفضائيات وتدور بمدادها المطابع لا بد فيها من حسن إدارة الأزمة والهدف الأساسي هو الحفاظ على النقاء المنهجي وعدم التنازل عنه قيد أنملة وتسليم المنهج للأجيال لقديم سلفيا خالصا.
وهذا لا بد فيه من الصبر ولابد معه من التسامي على الأحزان.
إخواننا الأفاضل كونوا مفاتيحا للخير مغاليقا للشر.
نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن اللهم آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرسل تعليقا