كتب أحمد محمود (المصريون): | 12-10-2010 02:03
تباينت تفسيرات مثقفين وقانونيين، من بينهم المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري تجاه حالة الاحتقان الطائفي التي تشهدها مصر منذ أسابيع، على خلفية احتجاز الكنيسة لكاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس منذ أكثر من شهرين، وتصريحات الأنبا بيشوي المثيرة للجدل حول المسلمين في مصر والقرآن الكريم، ففيما أرجعها البعض إلى ضعف الدولة وعدم اضطلاعها بدورها، رأى آخرون أن السلطة تعرف ما تفعله جيدًا وتؤيده لمصالح خاصة.
لكن المشاركين في الندوة التي نظمها المركز الدولي للدراسات برئاسة أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب "الوسط" تحت التأسيس مساء الأحد، تحت عنوان: "الدولة المدنية والوحدة الوطنية"- ومن بينهم مثقفون مسيحيون- أجمعوا على ضرورة تدخل العقلاء لوضع حد لحالة الاحتقان الطائفي التي تهدد العلاقة بين جناحي الوطن، وتؤثر بالسلب على حالة الاستقرار والتعايش السلمي بين المسلمين والأقباط في مصر، مشددين على ضرورة إخضاع كافة الأطراف للقانون الذي ينظم العلاقة داخل المجتمع، ويساوي بين كافة الأطراف دون تمييز بين شخص وآخر.
وقال الدكتور محمد سيلم العوا رئيس "جمعية مصر للثقافة والحوار" إن مصر ليست دولة طائفية، واصفًا الأزمة الحالية بأنها سياسية بامتياز، مدللاً بأن الدولة التي وصفها بالضعيفة مكّنت "أهل العصبية والتعصب السخيف أن يقولوا في القرآن ما لا نقبله"، مبديًا تفاؤله بأنه سيتم تجاوز الأزمة "العارضة"، لكنه حذر من أنها لو عادت بعد عشر سنوات ستواجه بجيل أكثر عنفًا في الرد إذا ما ترك العقلاء والمسئولون البلد بهذا الوضع وسلموها للجيل المقبل منقوصة.
وذكّر بأنه والمستشار طارق البشري وغيرهما كانوا يشيدون بمواقف البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عندما كان يتحدث عن رفضه زيارة القدس تحت الاحتلال، وغير ذلك من مواقف للأنبا يوحنا قلته وغيرهما، وهو ما دفعه وغيره للعودة إلى ما ذكره القرآن الكريم عن الأقباط شركاء الوطن وتصدى لكثير من القضايا، مثل الجزية والعيش المشترك والمصطلحات، ودخل جراء ذلك في نقاشات وجدل ع أصدقاء مسلمين، حتى ينتصر للمسيحيين.
ولم يعف العوا الدولة من تحمل المسئولية في قضية احتجاز كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس داخل الكنيسة منذ أواخر يوليو الماضي، وأضاف: "لو كانت أسلمت يكون خطأ تسليمها للكنيسة خطأ السلطة والدولة وليس الكنيسة"، لافتًا إلى أنه سبق أن تدخل ومعه عقلاء كثيرون في قضية وفاء قسطنطين وماريا وغيرهما من أزمات مماثلة، وأكد أن الدولة مخطئة والكنيسة تستفيد من هذا.
وأوضح العوا الذي تعرض لموجة هجوم شديدة من قبل الكنيسة والأقباط خلال الفترة الأخيرة أنه لم يرد عبر قناة "الجزيرة" على تصريحات الأنبا بيشوي، سكرتير المجمع المقدس التي اعتبر فيها أن المسلمين في مصر "ضيوف" على الأقباط "أصل البلد"، واعتبر "كلامه فارغًا ولا يستحق الرد".
وأعرب عن غضبه الشديد تجاه تصريحاته، قائلاً إنه سيظل غاضبًا على المدى الطويل والملايين غيره تجاه تصريحات الأنبا بيشوي التي مس فيها القرآن الكريم، موضحا أنه لو كان قصد العقيدة الإسلامية لما كان غضب، لأنه "بالطبع كل صاحب دين بل صاحب مذهب لا يري صلاحًا أو صحة عقيدة الآخر، وهذا لا يتناقض والتعيش والأخوة والمودة المشتركة ولا يفسد ما بين المسلمين والمسيحيين".
وفسر موقف بيشوي بأنه "استكبار مؤلم وكبير عندما يتهم القرآن بما قاله، باعتبار أن هذا طعن في أصل الدين ويجعل أصل الدين ينهار"، وتابع قائلا: "جميعنا لن يقبل هذا الأمر إلا أن يقول بيشوي إنه آسف ويتراجع عمه قاله"، مشككا في صحة الواقعة التي استشهد بها "الرجل الثاني" بالكنيسة حول أن هذا الحوار دار خلال لقاء مع سفير مصر في قبرص، رافضًا تبريرات البابا شنودة حول أن هذا الكلام جاء خلال لقاء مغلق بين اثنين حول مسألة دينية، قائلا "حديث خرافي ولا يجوز أن يقوله إنسان عاقل لا من شأن القساوسة ولا الأنبوات أن يبحثوا القرآن".
ونفى أن تكون الأزمة الأخيرة مفتعلة، موضحا أن كلام بيشوي كان صريحا ولم يتراجع عنه بل أيده خمسه من كبار القساوسة، مبرئًا ساحة المفكرين والمثقفين المسلمين من الاتهامات بإثارة الأزمة "لكنهم تكلموا بعد ما وجدا أنه لا أحد يرد ويتأسف للتصريحات" الصادرة من ثاني أبرز شخصية داخل الكنيسة الأرثوذكسية.
وتابع العوا بنبرة غضب "يستحيل عليّ في هذه السن أن أتراجع عن كلام كنت أقوله منذ 40 عامًا ولا يمكن أن أقف صامتا وأتجاهل الاعتداء على الدين.. نحن لا نقلب البلد ومسألة الاعتلال الكنسي يجب حلها مع الدولة"، مطالبا النخبة بعدم التخلي عن واجبها، ودورها خاصة تجاه المسيحيين.
وأشار إلى مواقفه التي وقف فيها إلى جانب الأقباط ومنها أزمة الكشح وغيرها، حينما يتم الاعتداء على حق مسيحي، معتبرا أن هذا إيمان منه وغيره بوحدة الوطن والإخوة، وأنه والبشري لو لم يفعلا هذا لاشتعل الوطن، وقال إنهما بذلك يحميان الوطن بدفاعهما عن وحدته.
واتهم المفكر الإسلامي قوى لم يسمها بأنها تريد أن تشعل مصر، وقال إنه "لا يقبل المسلم الدنية في دينه كما أنه لا يقبل المسيحي الدنية في دينه، ولا يريد أن يقبل المسلم الدنية في وضعه السياسي ولا المسيحي كذلك"، وختم قائلاً: "نريد أن نسكت الأصوات المتعصبة في المسجد والكنيسة".
من جانبه، حمّل المستشار طارق البشري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة سابقًا، وأبرز المهتمين بقضية المواطنة في مصر، قيادة الكنيسة في مصر التي سعت منذ 30 عامًا إلى محاولة ضم الأقباط داخلها لتعبر عنهم دون غيرها، معتبرًا أن هذا الأمر يشكل جزءًا هامًا من المشكلة، وقال إن الكنيسة تستخدم في ذلك رجال دين "بحكم تخصصهم لا يعرفون كثيرا في الأمور الاجتماعية والسياسية ويخطئون أخطاء كبيرة".
وقال البشري، إن الاستبداد الفكري الذي تعاني منه مصر أقل من الاستبداد الذي تعانيه الكنيسة في داخلها، مشيرا إلى أن الكنيسة والمجلس الملي اللذين كانا يؤديان دور توزيع السلطة والنقاش، أصبحا الآن ومنذ فترة طويلة شيئًا واحدًا، حتى أن عددًا كبيرًا من أعضاء المجلس الملي أصبحوا شمامسة.
وانتقد كذلك دور المعتدلين من المسيحيين والنخب المثقفة التي تواجه سيطرة الإدارة الكنسية، على الرغم من أن المثقفين المسلمين ينتقدون الأزهر في بعض المواقف، إلا أن أكبر المخاطر التي يراها هي سيطرة الإدارة الكنسية على الشعب القبطي وعزلة عن المشاركة في القضايا العامة والمجتمع.
وأضاف إنه على الرغم من الجوانب السلبية من إثارة الأزمة الأخيرة، ودور الإعلام فيها، لكن المصارحة كانت أمرًا إيجابيًا، لافتا إلى أن الدولة المصرية مدنية ولا يوجد هناك تفريق بين مواطن وآخر على أساس الدين، لكن ما أسماه بـ "الاستبداد يريد أن يفرق مثلما الحال في مشكلة المحامين والقضاة كانت لإبعاد المواطنين عن تزوير انتخابات الشورى" التي جرت في مطلع يونيو الماضي.
وشدد البشري على أنه لا توجد مشكلة طائفية بالمعني الحضاري والتاريخي بين المسلمين والأقباط، لكنه جدل ويعود ويخبو بسرعة، ضاربا المثل بالتوترات القائمة على مدار قرن من الزمان، لكنه حذر من التراخي عن معالجتها، وطالب بفهم أساس المشكلات، مرجعا الأمر إلى عدم تحقيق المساواة بين المصريين في كافة المجالات.
وطالب بضرورة الاندماج والاختلاط بين المسلمين والمسيحيين، محذرا من حدوث العزلة بينهما، وقال إن هذا الأمر يشكل خطرا كبيرا على مصر، وإن نفى حدوثه في مصر، لكن بعض الحضور قاطعه بالتأكيد على أنه حادث فعليا، وطالب بضرورة التحرك السريع لمواجهة مثل هذه السلوكيات.
بدوره، أكد جورج إسحاق، المنسق الأسبق لحركة "كفاية"، أن المجتمع كله وليس الأقباط وحدهم انسحبوا من الحياة العامة والسياسة، لكن المسيحيين لم يجدوا إلا الكنيسة ليلجأوا إليها وهنا مكمن الخطورة، كما يقول، وإن أشار إلى أن الأقباط ليسوا كتلة واحدة، في إشارة إلى الاختلافات المذهبية.
وأوضح إسحاق أن غالبية الأقباط يرفضون تصريحات بيشوي وعبروا عن انزعاجهم تجاهها، رافضا أن يشكك أحد في عقائد الآخرين، قائلاً إن هذا الأمر من المحرمات التي يجب الابتعاد عنها، واصفا الثقافة الحالية التي انتشرت بـ "المنحطة" التي تحتاج توجيه ولابد من البعد عن التنابز بالألقاب، وشدد على ضرورة منع المظاهرات في المساجد أو الكنائس، والتوحد من أجل تجاوز الأزمة.
في حين قال الكاتب والباحث سمير مرقص إن فضاء الإنترنت يتحمل المسئولية عن المقاطعة بين المسيحيين والمسلمين، الأمر الذي جعل كل فريق يستغنى عن الآخر ويشكل مجتمعه بالشكل الذي يريد، واضعا العلاقات الإسلامية المسيحية في السياق التاريخي، فعندما يكون هناك ظلم للحاكم يعود هذا بالسلب عليها، وعندما تكون هناك ديمقراطية وحرية تكون العلاقة أكثر إيجابية.
أما أمين اسكندر وكيل مؤسسي حزب "الكرامة" فعبر عن قلقه وخوفه مما يحدث من أزمات، وربط بين ما يحدث في الداخل بتطورات عالمية ومؤامرات ضد الدول العربية ومنها مصر ومحاولات التفرقة والتفتيت، وضرب مثلا بالسودان واليمن ولبنان، مرجعا الأزمة الحقيقية إلى أن الدولة المصرية الآن بدون حلم ولا رؤية ومشروع قومي حقيقي، مما عرضها وكل شيء فيها للتآكل.
وحمّل الأمن بالمسئولية عن إشعال العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وربط هذا الأمر بمحاولات التفتيت الداخلي لصالح الحاكم والسلطة، ورأي أن الحل بدولة مدنية تقوم على فكرة المواطنة.
في حين عقد الدكتور صلاح عبد الكريم عضو الهيئة العليا لحزب "الوسط"- تحت التأسيس- مقاربة بين الكنيسة وتنظيم "الإخوان المسلمين" الذي انتمي إليه لمدة 15 عامًا، فوجد أن هناك 15 صفة مشتركة بين الجانبين من حيث الحفاظ على التنظيم من منطلق تنظيمي وليس دينيًا، والالتزام كذلك، موضحًا أن بعض رجال الكنيسة أيضا يتعاملون مع رعاياهم على أنهم قطعان أغنام، محذرًا من أن الكنيسة أصبحت تنظيمًا حقيقيًا مغلقًا على أبنائه مما يهدد بخطورة على المجتمع.
أما محمود سلطان رئيس تحرير جريدة "المصريون" فرأى أن الإعلام تعرض لظلم كبير خلال الأزمات الأخيرة رغم المعالجات التي قدمها للموائمة من منطلق الحرص والقلق على الوطن، معتبرا أنهم ليسوا ضد الكنيسة التي يعتبروها مؤسسة وطنية شأنها شأن الأزهر، إلا أن قلقهم من منطلق ثقافي وطني أكثر منه ديني هنا، متهما الكنيسة بأنها تعدت على الدستور والقانون.
وطرح عدة أسئلة، منها: هل من حقوق المواطنة إجبار احد على الاستمرار في دين معين أو أن يشهد بالإيمان لقيادة دينية، نافيا أن يكون لذلك أي علاقة بالكفر والإيمان بقدر ما يتعلق علاقة بالحرية والقانون، وتساءل كذلك: ما إذا كانت شروط المواطنة تلغي الفروق الرئيسية بين المصريين من أقباط ومسيحيين.
وأضاف إن الهوية الحضارية للمصريين قضية أمن قومي وأن مصر هويتها وثقافتها إسلامية عربية وأن ما يحدث من الكنيسة لتغيير ذلك في العقود الأخيرة هو سبب الأزمات والإدارة الكنسية مسئولة عن جزء كبير منه.
بينما رأى حسين عبد الغني مدير مكتب فضائية "الجزيرة" بالقاهرة سابقا أن النظام يستخدم تحالفه السياسي مع الكنيسة للحفاظ على وجوده، حيث تخرج كتل من الكنيسة للتصويت للحزب "الوطني" في الانتخابات البرلمانية، معتبرًا أن هذا يعود في نظره لضعف الدولة واستخدام الكنيسة كطرف للحفاظ على الوجود السياسي والأغلبية، مشيرًا إلى أنه عندما يكون هناك مشروع وطني تختفي هذه الصراعات الاجتماعية.
وشدد على أن الدولة حاضرة في كل ما يحدث وتعلم جيدا ما تفعل وتسمح بالمظاهرات أمام دور العبادة والقنوات الفضائية والمواقع لأنها تخدم مصلحتها، مطالبا بتطوير المؤسسات الدينية وإصلاح قلوب رجال الدين على الجانبين والدولة والالتزام بالوثائق المعتدلة كبرنامج حزب "الوسط" الأخير الذي يحافظ على العيش المشترك. |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرسل تعليقا