بحث هذه المدونة الإلكترونية

جديد الفيديوز من موقع حكاية كاميليا

جديـــــــــــــد الفيديوز من موقع حكـــــــــــــــــــــــــــاية كـــــــاميليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

الكنيسة المصريَّة.. الاتجاه صوب الهاوية


سمير العركي / البشير
إذا كانت الدولة المصريَّة تسير نحو التهدئة وعدم التصعيد على المستويات كافة، خاصة الإعلامي منها، لأسباب قد تكون مفهومةً لدى الكثيرين.. إلا أن ما حدث في محافظة الجيزة على مدار الأيام الماضية قد يمثِّل علامةً فارقةً في تاريخ العلاقة بين الكنيسة القبطيَّة الأرثوذكسيَّة والدولة المصريَّة على مدار الثلاثين سنة الأخيرة، والتي تمثِّل تاريخ حكم الرئيس مبارك للدولة المصريَّة.
فقد شهدتْ محافظة الجيزة بمصر مصادمات دامية بين الشرطة المصريَّة وآلاف المتظاهرين الأقباط على إثر خلاف نشب حول تحويل مبنى (جار العمل في إنشائه) خدمي تابع لمطرانيَّة الجيزة إلى كنيسة، دون الحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة.
وكان اللواء سيد عبد العزيز محافظ الجيزة قد صرَّح بأن الرخصة الممنوحة لمطرانيَّة الجيزة كانت لبناء مبنى خدمي، ولكن الجميع فوجئ بالتفاف الكنيسة على القرار والبدء في تحويل المبنى الخدمي لكنيسة تُقام فيها الشعائر، وعلى إثر ذلك –وكما يقول المحافظ– تم الجلوس مع ممثلين عن الكنيسة والاتفاق على التقدم بطلب جديد لتحويل المبنى إلى كنيسة، ولكن الجميع فوجئ بتجمُّع الآلاف من الأقباط فجرًا والشروع في استئناف البناء دون الحصول على إذن مسبق من السلطات، ثم شرعتْ جموع الأقباط في قطع الطرق، والاتجاه صوب حي العمرانيَّة بمحافظة الجيزة والاعتداء عليه، ثم محاولة اقتحام مبنى محافظة الجيزة وإحداث تلفيَّات شديدة به، والاعتداء على الشرطة المصريَّة بالزجاجات الحارقة والعصي والشوم، مما نتج عنه إصابة عدد من كبار ضباط الأمن المصري، وسقوط قتيلين من الجانب القبطي.
هذا ملخَّص ما حدث والذي مثَّل تصعيدًا نوعيًّا من الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة ضد الدولة المصريَّة وسلطتها وهيبتها، فبعد أن كانت الاحتجاجات تتمُّ ضد أسوار الكنائس، والتي كانت تقتصر على ترديد الهتافات المعادية للدولة والمسلمين وطلب التدخل الأمريكي، إذ بها تشهد هذه المرة خروجًا للطرقات في صورة ميليشاويَّة منظَّمة تستهدف ضرب الدولة في مبانيها السياديَّة كمبنى المحافظة واتِّباع سياسة فرض الأمر الواقع بقوَّة السلاح والذراع.
وهذا ما يدفعُنا إلى تحليل علاقة الدولة المصريَّة بالكنيسة الأرثوذكسيَّة على وجه الخصوص، إذ إن الكنائس المصريَّة الأخرى (الكاثوليكيَّة والإنجيليَّة وغيرهما) لم تورِّطْ نفسها في مثل هذه الأعمال العدوانيَّة.
الكنيسة الأرثوذكسيَّة والاضطهاد المزعوم
استطاعت الكنيسة الأرثوذكسيَّة تأسيس خطاب كنسي متطرِّف يروِّج لفكرة الاضطهاد المزعوم لأقباط مصر، والملاحظ أن البابا شنودة لعب الدور الأبرز في تأسيس هذا الخطاب المعادي حتى قبل وصوله إلى كرسي البابوية عام 1971م منذ أن كان مسئولًا عن مدارس الأحد الموكول إليها إعداد الشبيبة المسيحيَّة إعدادًا عقائديًّا وربطه بالكنيسة، ثم استثمر البابا شنودة وصوله لكرسي البابويَّة لنشر أفكاره الطائفيَّة، والتي بدأتْ بالأحداث الطائفيَّة في منطقة "الخانكة" بمحافظة القليوبيَّة عام 1974، والتي أخذت منحًى تصاعديًّا بعد ذلك، وصولًا إلى قرار عزلِه الشهير في سبتمبر 1981م بعد أن أيقنَ الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن وجوده على رأس الكنيسة يمثِّل خطرًا داهمًا على الوحدة الوطنيَّة، وقال السادات حينها تعليلًا لقراره: "أجريت هذا بعد أن استشرتُ المخلصين للبلاد والكنيسة، وعلى هؤلاء الأساقفة سرعة معالجة الشعور القبطي العام في الداخل والخارج لكسر حاجز التعصب والحقد والكراهية وبثّ روح المحبة والتسامح".
والجدير بالذكر أن البابا شنودة تقدَّم بدعوى لمجلس الدولة المصري لإلغاء قرار عزله –وذلك بعد وفاة الرئيس السادات– ولكن مجلس الدولة رفض طلبَه في جلسة 4/1/1983م استنادًا إلى مذكرة "الأمن المصري" التي أوردت العديد من الممارسات التي مارسها البابا شنودة، وكانت تقوِّض دائمًا الوحدة الوطنيَّة، ومنها على سبيل المثال:
- محاولة فرض استقلال الكنيسة عن الدولة ومؤسساتِها الدستوريَّة.
- السعي نحو إضفاء الصفة السياسيَّة على منصب البطريارك.
- محاولة تحدي القوانين القائمة في مجال بناء الكنائس.
- إقامة الكليَّات الإكليريكيَّة، وتوسيع الأديرة، واستثمار الخلافات الفرديَّة والحوادث العاديَّة لتصوير الموقف على أنه صراع طائفي.
- المطالبة ببعض المطالب الطائفيَّة.
- إعلان الصوم للضغط على المسئولين.
- استغلال قنوات الاتصال بين الكنيسة وتجمُّعات الأقباط في الخارج كقوَّة ضاغطة على الرأي العام العالمي لتحقيق المطالب المذكورة، (وهو ما تفاقم أمره بعد ذلك).
- انتهاج أساليب الإثارة فيما أصدره من أوامر للكهنة من تأدية الصلاة بجمعيَّة أصدقاء الكتاب المقدَّس بالخانكة وافتراش الأرض بأجسادهم عند التعرُّض لهم.
- قرَّر إرسال خطابات للمسئولين في الدولة لتمثيل الأقباط في الاتِّحاد الاشتراكي بنسبة عدديَّة كبيرة.
- نشر الشائعات عن رفض "رئيس الجمهورية" مقابلة المدعي.
- عقد اجتماعات أسفرتْ عن رفض قانون الردَّة.
- إعلان الصوم الانقطاعي تعبيرًا عن هذا الرفض.
- التشكيك في حَيْدة رجال الشرطة وسلطات التحقيق في وقتٍ معاصر لمباحثات كامب ديفيد، كوسيلة للضغط على المسئولين للانصياع للمطالب الطائفيَّة، ومنها منع تطبيق الشريعة الإسلاميَّة.
- دَعَا المجمع المقدَّس إلى الاجتماع، وأصدر قرارًا بعدم الاحتفال بعيد القيامة ورفض تهاني المسئولين، وذلك في وقتٍ معاصر لزيارة رئيس الجمهورية لأمريكا، وإيعاز تجمُّعات الأقباط هناك باتخاذ مواقف معادية له، (كما يحدث الآن).
- سَرَّب الشائعات عن تكاثر أعمال التعدي على المسيحيين في مصر؛ للتشكيك في استقرار البلاد وإثارة الرأي العام العالمي لتشويه سُمعة مصر في الخارج.
- حرض أبناء الطائفة على تخزين الأسلحة والاستعداد لمواجهة عزم المسلمين مهاجمتهم، وكان هذا من أبرز أسباب حادث الزاوية الحمراء في يونيو 1981 والذي راح المدعي يبثّ الشائعات بأن الحكومة هي التي دبَّرَت هذا الحادث للقضاء على شوكة المسيحيين.
هذا بعض ما أورده مجلس الدولة المصري آنذاك، ولكن الرئيس مبارك وبمبادرة شخصيَّة منه أصدر قراره عام 1985م بعودة البابا شنودة إلى كرسي البابويَّة مرة أخرى، والعجيب هنا أنه لم يستفدْ من تجربتِه السابقة، ولكنه سعى إلى تعميق الخطاب الكنسي المتطرِّف المرتكز على نغمة الاضطهاد المزعوم وعلى رأسها الزعم بالتضييق على الأقباط في بناء الكنائس ودور العبادة، رغم أن الإحصائيَّات الرسميَّة تكذِّب زعمه وتدحضُه، فقد ذكرتْ إحصائيَّة قام بها مركز الأهرام الاستراتيجي (عام 1999م) أن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي مقابل مسجد واحد لكل ثمانية عشر ألف مسلم.. ورغم ذلك فقد استجابت الدولة لمطالب الأقباط بتسهيل إجراءات بناء الكنائس، وأصدرت قرارًا في يناير 1998م يقضي بتفويض المحافظين المصريين في مباشرة اختصاصات رئيس الجمهوريَّة بالترخيص للطوائف الدينيَّة ببناء الكنائس وترميمها.. وألغت بذلك الخط الهمايوني الذي كان يُعد مفخرةً من مفاخر الخلافة العثمانيَّة، والذي وُضع أصلًا بناءً على إلحاح شديد من أقباط مصر في زمن الخلافة، وفي شهر مارس من العام نفسه، قامت الحكومة المصريَّة بردّ أموال الأوقاف القبطيَّة إلى الكنيسة، ومنحتها تفويضًا كاملًا بالتصرُّف في الأوقاف القبطيَّة وإدارتها، في حين لا زالت كافة الأوقاف الإسلاميَّة في حوزة الحكومة وتحت تصرُّفِها.
ورغم أن الأقباط يمثلون حوالي 6% أو أقل من جملة سكان مصر، إلا أنهم يملكون حوالي 40% من جملة اقتصادها، وفي دراسة أصدرتها مجلة "روز اليوسف" اليساريَّة -أواخر التسعينيَّات- رصدتْ تركز الثروة في أيدي الأقباط، والتي كانت موزَّعةً كالتالي:
يملكون حوالي 22.5% من الشركات التي تأسَّسَت ما بين سنة 1974 وسنة 1995م و20% من شركات المقاولات في مصر، و50% من المكاتب الاستشاريَّة، و60% من الصيدليَّات، و45% من العيادات الطبيَّة الخاصَّة، و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكيَّة وغرفة التجارة الألمانيَّة، و60% من عضوية غرفة التجارة الفرنسيَّة (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين) و20% من رجال الأعمال المصريين، و20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر، وأكثر من 20% من المستثمرين بمدينتي السادات والعاشر من رمضان، 15.9% من وظائف وزارة الماليَّة المصريَّة، و25% من المهن الممتازة والمتميزة -الصيادلة، والأطباء، والمهندسين، والبيطريين، والمحامين، فأي أقليَّة تتعرَّض للاضطهاد تملك كل هذه الثروة؟!!
أحداث الجيزة تطوُّر طبيعي
لا يمكن فصل ما حدث في محافظة الجيزة عن تطوُّر الأحداث التي أشرنا إليها سابقًا، إضافةً إلى الدعم الإعلامي الذي تلقَاه الكنيسة تغطيةً على أفعالها من كثير من العلمانيين وبقايا اليساريين، والذين يحاولون الآن جاهدين التغطية على الأحداث ودلائلها المرعبة بالحديث عن وحشيَّة الشرطة وفشل المحافظ في احتواء الأزمة!! إضافةً إلى الموقف الانتهازي الذي وقفتْه أحزاب المعارضة تبريرًا للأحداث، وعلى رأسها أحزاب الوفد الليبرالي والتجمع اليساري، دون النظر إلى دلائل ما حدث في الجيزة، والذي لم يكنْ عفويًّا أو ردّ فعل على وحشيَّة الشرطة، بل إفراز طبيعي لسنوات طويلة من تنامي خطاب ديني متطرِّف لم يشأْ أحد أن يلتفت إليه انشغالًا بالتشنيع على الإسلام وتطرُّفِه!! مما أوصلنا إلى هذه الحالة المأزومة المشحونة بالدلالات وأهمها:
1- تعمد الكنيسة إحراج الدولة المصريَّة بتفجير الأحداث بعد أيام قليلة من تقرير الحريات الدينيَّة الأمريكيَّة، والذي اتَّهَم الحكومة المصريَّة بممارسة الاضطهاد ضد الأقليَّات الدينيَّة، فأرادت الكنيسة الأرثوذكسيَّة الطرق على الحديد وهو ما زال ساخنًا، خاصَّةً وأن محافظ الجيزة كان قد وعدهم قبل أيام قليلة من تفجُّر الأحداث بالنظر في تحويل المبنى الخدمي إلى كنيسة، ولكن الآباء والكهنة كان لهم رأي آخر أرادوا أن يبسطوه على أرض الواقع بقوَّة السلاح والذراع.
2- نحن أمام تنظيم ميليشيوي يقودُه الكهنة والقساوسة الذين تخلَّوْا عن دورهم الوعظي والإرشادي وتفرَّغوا لبثّ الشائعات وتجييش الجموع وحشد الأعوان وتسليحهم بالزجاجات الحارقة والعصي والشوم، فجزءٌ كبير ممن شاركوا في أحداث الجيزة لم يكونوا من أهلِها، بل تم حشدهم إليها من محافظات أخرى، خاصةً محافظات الصعيد الفقيرة طمعًا في الفردوس الأبدي الذي وعدهم إياه كهنة الكنيسة، وانتظارًا لبضع جنيهات في نهاية المهمَّة "المقدَّسة"!
والجدير بالذكر أن الشابين اللذين لقيا مصرعهما في المصادمات كانا من محافظة "سوهاج" في أقاصي الصعيد، وهذا كله يعطينا أبعادًا للاستعداد الكنسي لتفجير الأحداث بغضّ النظر عن دوافعِه.
3- ما حدث في الجيزة لا يمكن فصله عن مجمل حوادث التصعيد الأخيرة من جانب الكنيسة، والتي كان آخرها تصريحات الأنبا "بيشوي" الرجل الثاني في الكنيسة، والتي قال فيها أن المسلمين ضيوف في مصر!! كما تناول القرآن الكريم بالغَمْز واللمز، مما أهاج الشعور العام المسلم واستدعى تدخلًا من الرئيس مبارك شخصيًّا بالتحذير والتنبيه، وللأسف الشديد فإن حالة التطرُّف المشار إليها استطاعت أن تعزلَ الأقباط خلف أسوار الكنائس التي تحوَّلَت إلى ما يشبه "الجيتو" وحرمتهم من ممارسة حياتهم بشكلٍ طبيعي، مما أَثَّر سلبًا على علاقتهم بالأغلبيَّة المسلمة.
لم تكن الكنيسة المصريَّة على قدر من التبصُّر والتعقُّل عندما أرادت استغلال موسم الانتخابات البرلمانيَّة كأسوأ استغلال لتحقيق مصالحها الطائفيَّة الضيِّقة؛ فقد خسرت تأييدًا حشدَه لها تنظيم القاعدة من العراق بإعلانه استهداف الكنائس المصريَّة، والذي سارعت جميع القوى الإسلاميَّة والسياسيَّة في مصر إلى رفضِه والتأكيد على أن أمن الكنائس ودور العبادة خطّ أحمر لا يجوز الاقتراب منه، وكانت فرصةً مواتيةً لخروج الكنيسة من أزمتها بعد تصريحات الأنبا بيشوي الشهيرة، ولكن جاءت أحداث الجيزة الأخيرة لتعمِّق الأزمة وتدخل الكنيسة في مواجهة جديدة مع الدولة ذاتها.
رَسَمت الكنيسة الأرثوذكسيَّة لنفسها خطًّا تصاعديًّا للحصول على المزيد من المكاسب، ولكن يبدو أن الصعود المستمرّ والمستفِزّ قد يؤدي بها إلى الاتجاه صوب الهاويَة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرسل تعليقا