محمد هزاع
البشير اسلام تودي
خروجًا على كلِّ القواعد والآداب الدبلوماسيَّة المرعيَّة بين الدول شنَّ رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي هجومًا شديدًا على مصر واتَّهَمها بدعم المتمردين المناوئين لحكومته انتقامًا منه لموقفه المتشدِّد في الدفاع عما أسماه حق أثيوبيا في مياه النيل، وأكَّد أن مصر لا تستطيع كسب أي حرب عسكريَّة تخوضها ضد بلاده على هذه الخلفيَّة، مهددًا بأنها ستخسر خسرانًا مبينًا إذا أقدمت على ذلك!!
في المقابل احتفظتْ مصر بأقصى درجات ضبط النفس، وردَّت على هذا الهجوم بمنتهى الدبلوماسيَّة؛ حيث أكَّدت على لسان مسئوليها أن الحرب ليست خيارًا لها في التعامل مع دول حوض النيل، على خلفيَّة الأزمة المفتعلة حول حصص كل من هذه الدول من مياه النهر الخالد بل تعتمد كليًّا على الحوار الدبلوماسي والاتصالات السياسيَّة عالية المستوى، والمؤسسة على حقوق تاريخيَّة لا يمكن التشكيك فيها من وجهة نظر القانون الدولي والاتفاقيَّات الموقَّعة بين مصر وهذه الدول خاصة أثيوبيا بالذات.
أشار المسئولون المصريون إلى أن الاتهامات المتعلِّقة بدعم المتمردين عاريةٌ تمامًا من الصحة ولا أساس لها بالمرة، مؤكدين أن القاهرة ملتزمة التزامًا ذاتيًّا بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخليَّة لأي دولة وطالبوا رئيس الوزراء الأثيوبي بتقديم الدليل على صحة اتهاماته إن استطاع.
لا شك أن ردَّ مصر على هجوم رئيس الوزراء الأثيوبي جاء متوافقًا تمامًا مع سياسات مصر الخارجيَّة، ولكن يبقى أن هذا الهجوم من قِبل زيناوي يحتاج إلى توضيح أبعاده وخفاياه.
في هذا الإطار نشير أولًا إلى أن مصر لم تبدأ الأزمة، ولكن التي بدأتها هي أثيوبيا وبعض الدول الأخرى المتأثِّرة بها، ونشير ثانيًا إلى أن موقف مصر الحالي ليس جديدًا على الإطلاق؛ لأنه يعتمد أساسًا على اتفاقيَّات قديمة أولها الاتفاقيَّة الموقَّعَة مع إمبراطور أثيوبيا "منليك" عام 1902 ثم مع دول الهضبة عام 1929 ومع أوغندة عام 1949 والرئيس "موسفيني" عام 1991 ونشير ثالثًا إلى أن الموقف الذي تتخذه إثيوبيا منذ سنوات مضتْ ليس موقفًا أصيلًا يعبِّر عن مصالحها المزعومة، ولكنه موقف مصطنع يخدم مصالح دول أخرى ليس لها علاقة مباشرة بحوض النيل، مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيَّة التي تلعب إثيوبيا دور الوكيل المعتمد لها في منطقة القرن الإفريقي.
ونشير رابعًا إلى أن من حق مصر الدفاع عن حقوقها بكافة الطرق المشروعة، ونشير أخيرًا إلى أن مصر ليست الصومال التي تحتلُّ إثيوبيا جزءًا منها وتعيث فيها فسادًا منذ سنتين بدعم من التحالف الصهيوني الصليبي الذي يستهدف هذه المنطقة منذ زمن طويل.
إن مصر حتى الآن تتعامل مع المسألة التي تمثِّل بالنسبة لها مسألة حياة أو موت بمسئولية شديدة، التزامًا بدورها الذي يفرضه عليها حجمها وتاريخها، وهذا لا يعني أبدًا أنها غير قادرة على حماية مصالحها في شريان حياتها أو أنها عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لوضع كل طرف في حجمه الطبيعي، والذي لن يعدوه مهما فعل حتى لو كان مدعومًا من إسرائيل أو أمريكا.
مع الاحترام الشديد لهذا الموقف المسئول من قِبل مصر إلا أنه قد يتعيَّن على مصر -الآن وليس بعد- أن تعيد حساباتها مع كل الأطراف العابثة في حوض النيل، بعدما أسفرت هذه الأطراف أو بعضها عن هذا التوجُّه الصفيق بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة التي لا تزال تتخيَّل أنها قادرة على إعادة رسم خارطة العالم ونوع وحجم علاقات دول رغم فشلها الذريع في كل المناطق التي تدخَّلَت فيها حتى الآن.
إن لدى مصر أوراقًا كثيرة جدًّا تستطيع من خلالها دفع كل الأطراف لمراجعة موقفه بدءًا بأثيوبيا وانتهاءًا بأمريكًا مرورًا بإسرائيل؛ فمصر ليست كما يظنون، فهي قادرة على الدفاع عن حقوقها الدبلوماسيَّة والسياسيَّة بكافة الوسائل المشروعة، حرصًا منها على السلام الذي يسعى آخرون لتدميره والقضاء عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرسل تعليقا